ما دلالات سعي روسيا للتوسع في استثمارات الطاقة بالعراق؟

وتأتي زيارة وفد روسي برئاسة وزير الخارجية ، رفقة مسؤولين دبلوماسيين واقتصاديين وممثلين عن شركات وشركات بقطاعات أخرى، في وقت شديد الأهمية بالنسبة للبلدين؛ حيث الباحث عن فرصٍ استثمارية يجابه من خلالها التحديات الاقتصادية وضغط أزمة الدولار، مستغلاً ما لديه من موارد، وروسيا الباحثة عن منافذ مختلفة تواجه من خلالها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب بعد عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

ويسعى البلدان لتفعيل 14 مذكرة تفاهم تم الاتفاق عليها في العام 2020 تتضمن مجالات مختلفة لا تقتصر على حدود التعاون في قطاعي النفط والغاز وكذلك التعاون العسكري، إنما تمتد أيضاً إلى قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والنقل.

  • العلاقات بين هي علاقات تاريخية منذ حقبة الاتحاد السوفيتي الذي كان من أهم الحلفاء بالنسبة لبغداد
  • لم تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب العسكري، إنما تمتد إلى علاقات واسعة تشمل كثيراً من القطاعات الاستراتيجية ومن بينها قطاع النفط.
  • هناك حوالي 50 شركة روسية لديها عقود تطوير حقول النفط وعمليات الاستكشاف والتنقيب في عدة مناطق داخل العراق، طبقاً لبيانات سابقة ذكرها السفير الروسي لدى بغداد.

دلالات التوقيت

رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية الدكتور رائد العزاوي، يشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن زيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف رفقة وفد رفيع المستوى إلى العراق، هي زيارة مهمة في هذا التوقيت تحديداً، مُعدداً أبرز العوامل التي تدفع العلاقات بين الجانبين في قطاع الطاقة على وجه التحديد:

  • روسيا من أكبر المستثمرين في قطاع الطاقة من خلال عديد من الشركات الروسية العاملة في بغداد
  • حجم الاستثمار الروسي بقطاعي النفط والغاز فقط في العراق يقدر بـحوالي 13 مليار دولار، وربما يزيد خلال العام الجاري إلى 14 مليار دولار مع استثمارات روسية في حقل مجنون النفطي جنوب العراق، مشيراً أيضاً إلى عدد من المشاريع الاستثمارية المقترحة في ذلك الصدد من بينها خط أنبوب الغاز من كركوك شمال العراق، وهو من أنابيب الغاز المهمة جداً، بالإضافة إلى استثمارات في مجال التصفية، على غرار مصفاة للنفط في الموصل

التعاون في قطاع الطاقة

يتابع العزاوي: “كل ذلك يدفع إلى مزيد من التعاون في قطاع الطاقة بين البلدين.. كما أن هذا التعاون يعطي لموسكو أفضلية في الاستثمار بالنفط والغاز داخل العراق، لا سيما بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين البلدين؛ على اعتبار أن روسيا تعد حليفاً قديماً للعراق منذ ستينيات القرن الماضي، وهي علاقات استراتيجية كبيرة جداً”.

ويلفت رئيس مركز الأمصار، إلى نمو التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي، مقارنة بالمعدلات المحققة في العام السابق.

– طبقاً للمستشار الاقتصادي في السفارة الروسية في العراق، إيليا لوبوف، في تصريحات له نوفمبر الماضي، فإنه خلال الثمانية أشهر الأول من العام 2022 بلغ حجم التبادل التجاري بين موسكو وبغداد 313.1 مليون دولار، مقابل 282.7 مليون دولار في 2021.

– بينما كان التبادل التجاري في حدود من 900 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار في العام 2017 (بحسب بيانات أعلنت عنها سابقاً السفارة العراقية في روسيا).

ويشدد الخبير العراقي في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أن “روسيا ترى أن علاقاتها مع العراق واستثماراتها تعطيها قوة تأثير على القرار هناك، بالتالي تستطيع موسكو في ظل الحرب الحالية في أوكرانيا أن تجد حلفاءً آخرين لها، رغم قرب بغداد من الولايات المتحدة”.

ويستطرد: “شيء آخر يدفع روسيا للتحرك نحو العراق، يتمثل في الحاجة اليوم إلى مجموعة أدوات اقتصادية قادرة على مساعدة روسيا على الهروب من العقوبات التي فُرضت عليها من أوروبا والولايات المتحدة (..) العراق بلد غني يتمتع بموارد وقدرات كبيرة، ويمكن لروسيا أن تفلت من هذه العقوبات من خلال رفع حجم استثماراتها في بغداد، لا سيما في قطاع الطاقة”.

ويوضح العزاوي أن العراق يريد رفع معدلات إنتاج النفط واستكشافات الغاز الطبيعي، كما يحتاج كذلك إلى الطاقة الكهربائية لسد الطلب الداخلي اليومي، ولهذا فإن العلاقات مع روسيا لها عوائد كبيرة جداً إذا ما رفعت موسكو استثماراتها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “العراق يريد أن ينفك من العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، أو على الأقل الخروج من هيمنة واشنطن على القرار السياسي والاقتصادي وهيمنة الدولار وتأثيره على الشأن العراقي.. بالتالي العراق يبحث عن منافذ للخروج من طوق الدولار المسيطر على السوق”.

الشركات الروسية

من جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن هناك استثمارات روسية مختلفة في حقول النفط العراقية، خاصة استثمارات شركة “لوك أويل” جنوب العراق بحقل “غرب القرنة 2″، إضافة إلى شركة “غاز بروم” واستثماراتها في إقليم كردستان.

  • لدى عملاق الطاقة الروسي “” مشاريع بإقليم وحقل بدرة (بمحافظة واسط، وسط العراق) الذي تمتلك فيه حصة تصل إلى حوالي 40 بالمئة. وتبلغ احتياطات الحقل 3 مليارات برميل.
  • شركة “” من أبرز الشركات الروسية العاملة بالقطاع، وتعد المشغل الرئيس لحقل غرب القرنة 2 بمحافظة البصرة. تبلغ احتياطات الحقل 14 مليار برميل.

وكان السفير الروسي السابق لدى العراق ماكسيم ماكسيموف، قد كشف عن أن الشركات النفطية الروسية مثل “زاروبيج نفط، وإسترويترانكاز وتاتنفت وسيوزن فغاز وإريال نفط غاز سيرفيس”، تعمل بخطوات حثيثة من أجل تعزيز الحصول على فرص في قطاعي النفط والغاز العراقي.

ويشير الخبير الاقتصادي العراقي، إلى أن “روسيا من أكبر الدول التي تستثمر في قطاعي النفط والغاز بالعراق، وهي تهتم كثيراً بهذا النوع من الاستثمارات”.

ويستطرد: “ربما ترتبط زيارة وزير الوفد الروسي إلى بغداد بمعالجة مسألة التحويلات المالية أيضاً؛ لأن أرباح الشركات الروسية، وبشكل خاص خاصة المستثمرة في عقود جولات التراخيص النفطية ربما تقع ضمن طائلة نظام سويفت المالي الذي يأتي ضمن العقوبات المفروضة على روسيا”.

ويشير الخبير الاقتصادي العراقي في الوقت نفسه إلى أن “هناك مقترحات روسية تتعلق بخطوط أنابيب النفط العراقي، ذلك أن هناك مقترحاً روسياً بتحويل خط جيهان التركي من كركوك إلى تركيا، نحو سوريا، وهذا مقترح قديم تمت إعادته مرة ثانية للواجهة، كذلك هناك مقترح روسي ثانٍ بإحياء الخط العراقي السوري، لنقل النفط الخام، وهو الخط الذي توقف منذ زمن”.

العلاقات العراقية الروسية

إلى ذلك، يقول مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية إن “موسكو تبحث في بغداد عن فتح منافذ اقتصادية وتجارية جديدة، وتعويض قطع النفط والغاز الروسي عن أوروبا والذي حل محله الغاز الخليجي والمصري والجزائري والنيجري”، مشيراً إلى أن روسيا تحاول المشاركة في إعادة الإعمار ودعم المشاريع الصناعية والزراعية الاستراتيجية كما في مجال تزويد القوات المسلحة العراقية بالأسلحة الحديثة.

ويتابع: “لكن تبقى احتمالات تعرض العراق إلى ضغوط من الولايات المتحدة واردة في حال ذهبت بغداد بعيداً في العلاقات الدولية التقليدية مع روسيا وإنقاذ الأخيرة من الحصار الأميركي والأوروبي المفروض عليها بسبب الحرب في أوكرانيا”.

ويلفت فيصل إلى أن “العراق يتبع سياسة خارجية متوازنة في العلاقات الإقليمية والدولية، والانفتاح على الاستثمارات الدولية للحصول على الطاقة وتعزيز علاقاته التجارية وإعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية والخدمات في اقتصاده الذي يمتلك موارد مادية حيوية تقدر بـ 20 ترليون دولار تشكل عامل جذب للشركات والدول للاستثمار وتحقيق المكاسب الاقتصادية”.

ويؤكد مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بغداد بدعوة من الحكومة العراقية لبحث التطورات السياسية ومشكلات الطاقة والأمن الغذائي وتحديات البيئة والعمل لتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتقريب وجهات النظر والمواقف على المستويين الإقليمي والدولي، مما يؤكد انفتاح العراق على روسيا والصين وحليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز الشراكات والاستثمارات الاقتصادية ومواجهة التحديات المختلفة خصوصاً ملفات الطاقة.